أحيانا يتصور الإنسان أن الحب وقف عليه وحده دون الكائنات, ويتخيل أن الحيوان والنبات والجماد لا تعرف الحب, وهذا غير صحيح, فقد قرأت ذات يوم كتابة لموجة تكسرت علي الرمال, كانت الموجة تقول:
يا نصفي المهاجر متي تعود.. حطمني غيابك ولم أعد أجرؤ علي التفكير في عودتك واستقرارك داخلي.. كل ما أحلم به أن آراك ولو مرة واحدة في الحلم.. حتي الأحلام تستحيل هذه الأيام.
هل تذكرين لقاءنا منذ ملايين السنين.. لقد كنا موجة واحدة في بحر واحد.. كنا نهتز معا ونترجرج معا ونتدحرج معا.. ونعلو ونهبط معا.. ونتكسر علي الصخور ونضحك فتبدو أسناننا البيضاء زبدا أبيض.
كانت هذه هي الجنة, ثم وقع الفراق بيننا فجأة.. بدأت تتحولين من جزء من مياه البحر إلي سحاب.. بخرتك الشمس يا روحي فافترقنا.. صرت أنت سحابا تحول إلي أمطار, ولم أزل جزءا من مياه البحر.. أعرف أني مياه تمتليء بالملح وأعرف أنك المياه الحلوة.
ولكن أصلنا واحد يا روحي.. لم أعد أحب الشمس حين فرقت بيننا.. كم بكيت دون صوت ودون دموع.
قبل أن تذهبي كنت أسمع بغير أذن وأبصر دون عين, وكان كل شيء علي كما خلقه الله.. كانت الثلوج نقية والجبال صادقة والبحار بريئة والأنهار أطفالا لا تعرف سوي اللعب, وكان الكون كله ربيعا بسبب ابتسامتك التي كانت تتسرب مثل ضوء قديم.
أنت لا تذكرين طفولتنا الكونية.. لقد نسيت وسط زحام الحياة ما كان بيننا قبل الحياة.
أنا أصفح عنك رغم كل شيء, وإن كان كل شيء قد تغير بعد رحيلك.. تلوثت الثلوج وكذبت الجبال وأثمت البحار وشاخت الأنهار ولم نعد نعرف سوي الحزن.
لم أتوقف عن البكاء دون صوت منذ أن فقدتك.. أحيانا أفكر أنك سعيدة لكونك جزءا من مياه النهر, وربما تكونين قد نسيت شأن بقية الخلائق أصلك الملحي, وربما تكونين سعيدة أو راضية أو حتي لا مبالية, ولكن فكرة ابتعادك عني تجعلني أشرب الملح مرتين.. مرة لي ومرة لك, وتجعلني الفكرة أحس أنني موجة تعيسة فقدت نصفها بسبب الشمس, وبسبب ابتعادك عني لم أعد أعرف اللعب ومازلت اتكسر علي رمال الشاطيء لكن بإحساس من يؤدي واجبا عليه أن يؤديه